languageFrançais

دراسة:الاستثمار في حقل نوارة وفي إعادة التغويز لتنويع مصادر الطاقة

أبزرت دراسة للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات أن إنتاج الكهرباء يعتمد بشكل شبه كامل على الغاز الطبيعي، يشكل 96% من مزيج الطاقة في القطاع، وهذا الخيار التاريخي، الذي كان مدفوعا في الماضي بالحرص على الابتعاد عن الوقود الأكثر تلويثا مثل زيت الوقود، والذي بلغ اليوم حدوده القصوى في ظل تزايد ضعف الإمدادات.

وفي الوقت نفسه ، فإن التقدم البطيء في تطوير الطاقات المتجددة في تونس، بسبب قيود التمويل والإجراءات الإدارية، إضافة إلى غياب خيار الطاقة النووية على المدى المتوسط، يجعل من الضروري تبني إستراتيجية لتنويع مصادر الغاز الطبيعي وتعتبر الدراسة أن هذا التنويع من شأنه أن يضمن إمدادات مستدامة وتنافسية لمحطات الطاقة الحالية، مع الحفاظ على الاستثمارات المستقبلية في قدره الإنتاج لمشاريع الطاقة الشمسية التي تستخدم أنظمة تخزين فعالة .

تنويع مصادر الإنتاج لمواجهة اضطرابات تقنية أو جيوسياسية محتملة

وبينت الدراسة اعتماد  إمدادات الغاز الطبيعي في تونس حاليا على مصدرين رئيسين ، الأول هو الإنتاج المحلي (الذي يشهد تراجعا ملحوظا خاصة في الحقول البحرية وحقل البرمة)، إضافة إلى التأخير في استغلال الحقول الواعدة مثل "حقل نوارة"، الذي لا يزال قيد التطوير، والحقل الواقع في أقصى الجنوب بالقرب من الحدود مع "غدامس"، أما المصدر الثاني لإمدادات الغاز الطبيعي فيتمثل في العائدات من الغاز الجزائري الذي يتم نقله عبر خط أنابيب الغاز إلى إيطاليا.

ورغم ذلك، فإن إجمالي المساهمتين لم يغط سوى 47.3% من احتياجات البلاد من الغاز الطبيعي في سنة 2024، رغم تراجع إنتاج الكهرباء المحلي الذي تم تعويضه جزئيا عبر واردات الكهرباء التي غطت قرابة 14% من الطلب.

وتبرز الدراسة أن تنويع مصادر الطاقة يعد ضرورة إستراتيجية حيوية لأي دولة، خاصة لمواجهة الاضطرابات التقنية أو الجيوسياسية المحتملة، وفي المثال التونسي بشكل خاص يستدعي الاعتماد المفرط على الغاز الطبيعي ضرورة استكشاف حلول بديلة، وفي مقدمتها الغاز الطبيعي المُسال  كخيار استراتيجي لتعزيز أمن الطاقة.

وتظهر البيانات الاقتصادية الأخيرة أن الغاز الطبيعي المسال المستورد من أمريكا الشمالية، والذي يعاد تحويله إلى غاز في محطات الموانئ الأوروبية، أثبت أنه أكثر قدرة على المنافسة مقارنة بالغاز الذي يتم نقله عبر خطوط الأنابيب ويفسر هذا التطور بطفرة الغاز الصخري في الولايات المتحدة، التي مكنت أمريكا من أن تصبح أكبر مصدر للغاز الطبيعي المُسال في العالم بفضل انخفاض تكاليف استخراجه.

وبينت الدراسة انه خلال سنة 2023، بلغ معدل سعر الغاز الطبيعي في السوق الأوروبي المرجعي في روتردام 43.9 دولار/ميغاواط ساعة، مقارنة ب 8.6 دولار/ميغاواط ساعة في مركز Henry Hub الأمريكي، وتعود هذه الفجوة المستمرة منذ سنة 2008 إلى الانخفاض الحاد في الأسعار في الولايات المتحدة نتيجة للاستخدام المكثف للغاز الصخري.

في الوقت الحالي، يتم تداول الغاز في السوق الأوروبي بقرابة 37 دولارا أمريكيا/ميغاواط ساعة، بينما يظل سعر Henry Hub الأمريكي عند قرابة ال 13 دولارا أمريكيا/ميغاواط ساعة.

وهذا الفارق في الأسعار يغطي التكاليف الإضافية المرتبطة بسييل الغاز في الولايات المتحدة، وشحنه بواسطة ناقلات الغاز الطبيعي المسال، وإعادة تحويله إلى غاز في البلد المستورد قبل استخدامه في توليد الكهرباء أو تلبية احتياجات الطاقة الأخرى.

وتظهر هذه المعادلة أن الغاز الطبيعي المسال يمثل فرصة إستراتيجية مزدوجة لتونس، حيث يتيح تنويع مصادر الإمداد لتعزيز أمن الطاقة، ومن جهة أخرى يتيح الاستفادة من ظروف تسعير أكثر  ملاءمة، استنادا إلى ديناميكيات السوق العالمية.

ونظرا لأن الواردات أصبحت تغطي اليوم أكثر من نصف الاحتياجات الوطنية من الغاز، فإن إنشاء وحدة لإعادة "التغويز"(وهو  إعادة الغاز المسال إلى الحالة الغازية) في أحد الموانئ المرتبطة بشبكة أنابيب الغاز الوطنية يمثل خيارا استراتيجيا ذو أولوية قصوى.

ومن أجل تقليل التكاليف الاستثمارية الأولية وتسريع وتيرة التنفيذ، يقترح المعهد العربي للمؤسسات  ضمن دراسة حديثة  أن يشكل استئجار وحدة "إعادة التغويز العائمة" (FSRU) خيارا فعالا يمكن تونس من الاستفادة السريعة من فروقات أسعار الغاز الطبيعي المسال  في الأسواق العالمية، بفضل ما توفره  هذه الوحدات من مرونة وسرعة في التشغيل مقارنة بالمحطات البرية التقليدية إضافة إلى ذلك، فإن إستراتيجية مشتركة تشمل تصدير حصة من العائدات المتحصلة من الغاز الجزائري  العابر للأراضي الوطنية، من تغطية الاحتياجات المحلية عبر استيراد الغاز الطبيعي المسال ،وستحقق مزيدا من تعزيز أمن الطاقة في البلاد، وتساهم في تحسين السيطرة على النفقات بالعملة الأجنبية.

هناء السلطاني